Info Panel
You are here:   Home  /  Activities  /  تدشين جدرانيات كنيسة القديسة مارت شمونة في وادي حولات – حدشيت

تدشين جدرانيات كنيسة القديسة مارت شمونة في وادي حولات – حدشيت

 لمشاهدة صور الجدرانيات و قرائة الشروحات إضغط هنا

حدشيت 2-8-2013

صاحب السيادة المطران مارون العمّار،

حضرة رئيس بلديّة حدشيت الأستاذ إيلي حمصي،

حضرة كاهن رعيّة حدشيت الأب طوني الآغا،

أيّها الحضور الكريم،

هذا المشروع هدفه احياء الذاكرة التاريخيّة لموقع عزيز على قلبنا عنيت به كنيسة مارت شمونة وهو أيضاً دعوة ملحّة موجّة لأهالي حدشيت الكرام للمحافظة على الرسومات والكتابات المتبقّية في دير الصليب-وادي حولات وهو المكان الأغنى تراثيًّا وتاريخيًّا في الوادي المقدّس، وانّي هنا أهدي هذا العمل الى روح الدكتور رئيف ناصيف (من مواليد كوسبا) لأنَّ لولاه لما حصلنا على صور رسومات كنيسة مارت شموني ولكانت ضاعت هذه الكنوز من الفن المسيحي المشرقي الى الأبد.

سنة 1988، تأسسّت الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفيّة (GERSL) نتيجة الجهود التي قمت بها مع مجموعة من المستغورين، بهدف استكشاف المغاور، والهوّات، والكهوف، والمحابس العاصية، في لبنان والبلدان المحيطة به مثل تركيا وسوريا، وحفظها ودراستها من الناحية الجيولوجيّة والهيدرولوجيّة والتاريخيّة والأثريّة والسياحيّة. وعملنا، كأعضاء في الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفيّة على توثيق ونشر الأعمال التي أنجزناها منذ سنة 1988 في مجلّة “لبنان الجوفي“، وهي مجلّة علميّة تصدر باللغتين العربيّة والفرنسيّة، وأيضًا في بعض الكتب المنشورة، أهمّها كتاب “عاصي الحدث، لبنان- تاريخ مغارة”، نشره سنة 2011 مركز فينيكس للدراسات اللبنانيّة التابع لجامعة الروح القدس-الكسليك.

كما أنّه، بسبب مراجعة الأصدقاء والباحثين لنا، ومطالبتنا مرارًا بنشر مشاريع ودراسات الجمعيّة المنجزة أو تلك التي لا تزال بطور الإعداد والتنفيذ، قمنا بإنشاء موقع إلكتروني، يكون جاهزًا خلال الأسبوعين المقبلين، تصبح بموجبه النتائج العلميّة لاستكشافاتنا ودراساتنا في متناول جميع المهتميّن بأوضاع المغاور، والمحابس في لبنان أو في البلدان المجاورة.

إنّ الإكتشافات والإستكشافات التي قامت بها الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفيّة ساهمت مباشرةً في زيادة الوعي للتراث الطبيعي والثقافي للمغاور في لبنان، والأكثر أهميّة، أنّها كانت الرائدة في اجراء مسح علمي وطوبوغرافي للمغاور، والمحابس، والمعالم التاريخيّة والدينيّة في وادي قاديشا ونشر أبحاث علميّة عنه بعد توثيق منهجي لحوالي مئة موقع. بناءً على ذلك، وضعت السلطات المحليّة وادي قاديشا على لائحة التراث الوطني في لبنان، وتبع ذلك قرار دولي صادر سنة 1998 عن منظمة الأونيسكو، وُضِع بموجبه الوادي على لائحة التراث العالمي (مصنّفًا كمنظر طبيعي ثقافي) مع غابة الأرز في بشري.

من أهمّ الأعمال التي قامت بها الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفية، نذكر:

1- مغارة عاصي الحدث الواقعة في قرية حدث الجبّة، وهو من أهم الإكتشافات الأثريّة العائدة للعصور الوسطى التي حصلت حتى الآن في لبنان (تحديداً القرن الثالث عشر 1283م)، إذ اكتشفنا أجساداً بشريّة مدفونة بثيابها القطنيّة ومكفّنة، بالإضافة الى ثلاث مئة قطعة أثريّة (فخّار، زجاج، خشب، عملات معدنيّة، مخطوطات، الخ…) كان يستعملها سكّان الجبل في حياتهم اليوميّة في ذلك الوقت.

2- مغارة حوقا، الواقعة في قرية حوقا، حيث تمّ اكتشاف كتابة باللغة العربيّة تعود الى سنة 1193م ميلاديّة.

3- استكشاف وتوثيق مجموعة من المغاور-الملاجىء العاصية في وادي قاديشا حيث كان يختبىء الأهالي أثناء الحروب، منها مغارة الحمام، مغارة بلعيص.

4- استكشاف ودراسة مغارة الدلماس الواقعة في قرية بيت منذر، وهي مغارة محصنة تعود للقرن الثالث عشر-الرابع عشر، تُشرف على طريق القوافل التي كانت تربط الساحل بالبقاع حتّى دمشق ومن المحتمل أن تكون قد استعملها المماليك كمحطّة للبريد (السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر قيتابي)، واُستُعمِلت حتّى العهد العثماني.

5-  موقع مار آسيا في حصرون، الذي اكتشفنا فيه كتابة باللغة الحبشيّة الكنسيّة المعروفة بال”جعز” داخل الكنيسة. أظهر هذا الإكتشاف أنّ هؤلاء الرهبان كانوا بالفعل أحباش قدموا من الحبشة الى جبل لبنان في القرن الخامس عشر، وليس من دير مار موسى الحبشي قرب النبك في سوريا كما زعم بعض المؤرّخين (أذكر هنا المؤتمر العالمي للدراسات الحبشيّة الذي انعقد في أديس أبابا في الحبشة في 25 حزيران المنصرم وقد ألقى أحد أعضاء جمعيّتنا الأب عبدو بدوي محاضرة عنوانها “الرهبان الأحباش في وادي قاديشا” وكان لها وقعًا قويًّا بين العلماء وأهل الإختصاص، خاصةً بالبرهان الأكيد عن وجودهم في الوادي المقدّس، وهي الكتابة الحبشيّة).

6- دير مار جرجس الأحباش ودير مار يوحنا (في أرض حدشيت) واكتشافنا للرسومات داخل الكنيستين.

7- إكتشاف الرسم الجداري الوحيد الذي يعود للقرن الثالث عشر في دهليز تحت كنيسة دير قنوبين في وادي قاديشا.

8- بالإضافة الى تواصل عمليّات استكشاف المغاور العاصية والمحابس التي يصعب الوصول إليها في وادي دير مار ليشع، في جُرُف يزيد علّوه على مئتي متر.

أخيراً، لا يقف عمل الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفيّة في بلدة حدشيت عند حدود كنيسة القديسة شمونة، فقد قامت الجمعيّة باستكشاف مغارتين-محبستين في شير حدشيت (في أسفل المدرسة الرسميّة) حيث توجد مداميك من الحجارة المنحوتة شكلّت مسكناً للرهبان النسّاك. كما أنّها تواصل أعمال استكشاف المغاور والمحابس العاصية التي تتطلّب تقنيّة عالية في الإستغوار، والتسلّق، واستعمال الحبال؛ وقد تم اكتشاف حتى الآن سبع محابس، عبارة عن فجوات ضيّقة في الصخر، وفي بعضها لا يستطيع أن يقف فيها الحبيس لإنخفاض السقف الصخري للمغارة ويتنقّل فيها دبّاً على ركبتيه ويديه. عُثرَ داخل هذه المحابس على فخّاريّات وعظام بشريّة. وقد أظهرت هذه الإكتشافات وللمرّة الأولى في لبنان أنّه في وادي قاديشا انتشرت في أوساط الرهبان المشرقييّن ظاهرة التنسّك الثابت حيث يقيم الحبساء في محبستهم دون حراك (يقال لهم بالفرنسيّة stationnaire) ولا يمكنهم أن يقفوا ولا يمكنهم أن يتحرّكوا إلاّ دبّاً بسبب ضيق الفجوة الصخريّة التي يعيشون فيها، وهذا لقهر الجسد قدر المستطاع. وردت هذه الطريقة من التنسّك في كتاب جاك لاكريير الذي صدر سنة 1975 (Les hommes ivres de Dieu) وهو المرجع الأهم عن مدارس وطرق النسك في العالم المسيحي، وخاصّةً في شرقنا هذا.

واكبت الجمعية عدة بعثات تصويريّة الى الوادي المقدّس وشاركت معها في التمثيل، وعلى سبيل المثال نذكر الفيلم الوثائقي الشهير الذي عُرِض منذ 10 سنين في برنامج “يوم الربّ” وموضوعه وادي قاديشا على القنات الثانية الفرنسية، وبحسب احصائيّة القناة الفرنسية آنذاك فقد شاهده حوالي 17 مليون مشاهد في أنحاء أوروبا؛ وآخرها وبالتحديد في شهر حزيران المنصرم واكبنا واشتركنا مع بعثة من القناة الثانية الفرنسية كممثّلين في فيلم وثائقي عنوانه “مسيحيي الشرق”، وسوف يُعرض هذا الفيلم قريباً بين أيلول وتشرين الأوّل 2013. واكبنا واشتركنا أيضاً مع بعثات علميّة مهتمّة بالوادي المقدّس وأخصّ بالذكر العالمة ايفا فيتاكوفسكا من جامعة أوبسالا في السويد الإختصاصيّة في الدراسات الحبشيّة والتي زرنا معها عدّة مرات موقع مار آسيا. أيضاً كنّا من المطالبين لمديريّة الآثار بترميم ودعم وتقوية جدار الكنيسة التي توجد فيها الكتابات الحبشيّة، وهذا ما حصل، وقد ساعدنا بعثة الترميم البولانديّة التي أتت خصّيصًا من دير كفتون ثم ساعدنا أيضًا في تركيب البوابة الحديديّة على مدخل الكنيسة وكان هذا المطلب الأساسي من بعثة الترميم بهدف الحفاظ على هذه الكنوز من أيدي العابثين.

إهتمّت الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفيّة بالوادي المقدّس، وتحديدًا وادي حولات، وبدأت التركيز على الرسومات الجداريّة في الكنائس. أمّا كنيسة القديسة شمونة، فقد احتلّت مكانة خاصّة لديّ شخصيًّا واهتممت في إعادة صور الرسومات الجداريّة فيها التي دُمّرت خلال ثمانينات القرن الماضي. عندما بدأت بالبحث والتقصّي عن تاريخ الكنيسة ورسوماتها، واجهتني صعوبات تمثّلت في عدم إمكانيّة، لا بل استحالة، الحصول على صور الرسوم التي تمّ ازالتها عن جدران الكنيسة. شكّل هذا المشروع تحدّيًا كبيرًا لي، ولكننّي قررّت المضي به قدمًا.

بدأت أولاً بقراءة المقالة التي صدرت سنة 1982 بقلم الباحثة إريكا دود ثم كتابها الشهير الذي طُبع سنة 2004 عنوانه Medieval painting in the Lebanon. من ضمن الدراسات المنشورة في كتابها اثنين لهما علاقة بحدشيت: رسومات دير الصليب وكنيسة القديسة شمونة في وادي حولات. تضمّن الكتاب صورًا للرسوم التي كانت تزيّن جدران الكنيسة، وقد لفت انتباهي أنّ المصّور هو الدكتور رئيف ناصيف، العميد السابق في كليّة الطب في الجامعة الأميركيّة في بيروت، الذي كان مرافقًا للباحثة إريكا دود أثناء تجوالها في وادي حولات للقيام بدراسة معالمه الدينيّة (أخِذَت الصور في 13 تشرين الثاني 1971 أي منذ 42 سنة، والعالمة دود درّست لسنوات طويلة في الجامعة الأميركيّة في بيروت وقد رافقها الدكتور ناصيف مصوّراً في تجوالها وبحثها بين جدرانيات الكنائس اللبنانية). سارعت بالإتصال بالدكتور رئيف ناصيف، كان ذلك منذ 3 سنوات، واجتمعت به وأطلعته على المشروع الذي كنت أطمح لتنفيذه. رَفَضَ في بداية الأمر، إذ إنّ الصور التي بحوزته فريدة ولا يمكن الحصول على نسخة أخرى منها. كان يخشى أن تضيع الصور في حال انتقلت الى شخص غيره، وعلى الرغم من المحاولات التي قمت بها لإقناعه بتسليمي إيّاها ووضعها في تصرّفي، بقي على موقفه الرافض. لكن وقبل أن أنسحب قلت له مازحًا “ولو بييّ بدّو يزعل منّك” فأجابني “والدك متوفّي” “عظيم بدّك روح على القبر عند بييّ ودقلّو على الباب وقلّو صاحبك رئيف ما قبل يعطيني الصور؟ ثم نحن أهالي رأس بيروت وخاصةً بعد الحرب اللبنانية من حنّ على بعضنا متل الأرمن، بدّك ترجّعني فارغ اليدين؟ معقول؟”

ضحك كثيراً ثم وافق على مدّي بكل صوره واتفقنا معًا على إطلاق المشروع. إتصّلت بعد ذلك بمركز فينيكس للدراسات اللبنانيّة التابع لجامعة الروح القدس-الكسليك، ولاقيت تجاوبًا كبيرًا، وتشجيعًا، ومساعدةً، من الأب جوزف مكرزل مؤسّس مركز فينيكس. ثم بعد مدّة عدت الى الدكتور رئيف ناصيف وشرحت له أهميّة مشروع مركز فينيكس فوافق على إعطائهم كلّ صوره الخاصة للرسوم الجداريّة التي صوّرها في بعض كنائس لبنان، فجرى تحويلها الى صور رقميّة digital بأحدث مختبر متخصّص في هذا المجال في جامعة روح القدس-الكسليك، وهي اليوم محفوظة ضمن مجموعة أرشيف مركز فينيكس. توفّي الدكتور رئيف ناصيف في 26 كانون الثاني 2013.

بعد ذلك، بدأنا بالعمل على تطوير فكرة هذا المشروع من خلال وضع المخطّط التالي، وتنفيذه ضمن خطوات ومراحل محدّدة:

1- إعادة صور الرسوم الجداريّة التي تمّ تدميرها الى كنيسة القديسة شمونة بعرضها ضمن كتاب كبير وليس تعليقها على جدران الكنيسة.

2- تجهيز الكنيسة بأنظمة إنارة، وهنا لا بد أن أشكر بجزيل الشكر شركة Me Green التي قدّمت لنا نظام الطاقة الشمسيّة لتوليد الكهرباء لإنارة كتاب الرسومات، وقد وافقت مديريّة الآثار على هذا النظام.

3- إصدار كتيّب عن تاريخ الكنيسة والرسومات الجداريّة فيها.

ما هي هذه الرسوم الجداريّة؟ وما هو مدى أهميّتها التراثيّة والدينيّة؟

من المصادفات التي لها علاقة بكلمتنا اليوم هو المؤتمر للفن المقدّس الذي عُقِد في جامعة فيكتوريا في فنكوفر-كندا في 4حزيران 2013 حيث سُؤِلت فيه اريكا دود: لماذا هذه الجداريّات مهمّة؟ أجابت:«they are the only surviving cycle of images from the crusader period in the levant إنّها مجموعة الرسوم الوحيدة المتبقيّة في الشرق من الحقبة الصليبيّة».

أمّا ما استوقفني في الموقع الالكتروني لاريكا دود هي صورة حوّاء التي كانت موجودة في كنيسة مارت شموني وكأنّها صارت شعارًا أو لوغو logo لدود.

لن أطول الشرح هنا بل أترك هذا للمعلومات الموجودة في الكتاب الأساسي الذي سوف يوضع داخل الكنيسة. لكن وبسرعة ونقلاً عن أهل الإختصاص أذكر ما يلي: مشهد نزول المسيح الى اليمبوس (مملكة الأموات أو جحيم الأبرار) والمعروف بقيامة يسوع المسيح anastasis، وهو حدث ورد في الإنجيل المنحول الذي يُنسَب لنيقوديموس، كما ورد أيضاً في بعض كتابات الآباء. لا يختلف مشهد القيامة في كنيسة القديسة شمونة عن الإيقونوغرافيا البيزنطيّة التقليديّة المعتمدة عادةً في رسم هذا الحدث، حيث يطلّ المسيح حاملاً الصليب رمز انتصاره على الموت ويطأ برجليه ابواب الجحيم هازماً إبليس. وعلى جانبي المسيح، يقف آدم، وحواء من جهة، والملك داوود من جهة أخرى.

لسوء الحظ، لا توجد في كنيسة القديسة شمونة كتابات بخطّ وسطي بين السيرتو والإسترنغيلو، على غرار الكتابات الموجودة في دير الصليب المجاور. لذلك أصبح من الصعب علينا التعرّف الى الإيقونوغرافيا بشكل كامل. وحده رسم نزول المسيح الى الجحيم كان واضحًا، مظهراً أنَّ الموضوع الأيقونوغرافي لهذا الرسم هو بيزنطي من حقبة القرون الوسطى. والرسم ذاته يظهر أيضًا في إنجيل سرياني يعود لسنة 1226م في مديات (تركيا). كما أنّ صورة الشيطان باللون الأسود المحاطة بالأبيض توجد أيضًا في إنجيل من سنة 1250م في دير الزعفران بالقرب من ماردين (تركيا).

اريكا دود قامت بمقارنة رسومات مارت شمونة مع كنائس أخرى وخاصةً مع كنيسة القدّيسة بربارة في غورِمِه في الكابادوكيا-تركيا وأكّدت أنّ جدرانيّات شمونة ترجع الى القرن الحادي عشر في أبعد تقدير والقرن الثاني عشر ميلادي في أقربه.

إنّ رسم قيامة السيّد المسيح ونزوله الى اليمبوس في كنيسة القديسة شمونة هو رابع رسم من نوعه ذو دور جنائزي، وهو يستبق الرسوم الجداريّة في قريي جامي في إسطنبول.

إنّ التلف الذي لحق بالرسوم في كنيسة القديسة شمونة يجعل من الصعب القيام بتحليل كامل للأسلوب المعتمد في الرسم، ولكن بعض الخصائص واضحة:

الرسم مستوٍ مع ألوان طبيعيّة ورتيبة، ولكنّه يظهر أكثر صفاًء عند تنفيذ الأنف والفم؛ ويظهر هذا الأسلوب المميّز في منمنمات إنجيل القديس لوقا في الإنجيل السرياني في القدس الذي يعود لسنة 1221.

تظهر أشكال الأشخاص مرتدية ألوان داكنة تغلب فيها المغرة الصفراء والألوان الحمراء. تلعب الألوان دورًا مهمًّا في وصف القيامة، خاصّةً التباين بين ثوب المسيح الأبيض وسواد الشيطان في الجحيم. ولكن في جميع الأحوال، تبقى الألوان داكنة وواهنة بسبب السواد الذي تركته الشموع على مرّ السنين.

خلاصةً، يدلّ الرسم الخطيّ، أنّ اليدّ التي قامت بهذا العمل هي محليّة لها بنية بيزنطيّة قروسطيّة، وأسلوب سرياني، على غرار رسوم جداريّة أخرى في لبنان.

الملفت في هذه الجداريّة أنّ حارس اليمبوس رُسم على شكل فارس صليبي، وهو غير ملتحٍ على غرار الفرنج في تلك المرحلة؛ يرتدي خوذة وزرديّة (cotte de mailles) تغطيّه حتى قدميه، ويمسك بيد ترساً مثلّث الشكل، وفي الأخرى يرفع سيفاً. يبدو هنا واضحًا تأثّر الفنّان بلباس العسكر الصليبي الذي سيطر على المنطقة قرابة قرنين. أنا شخصيّاً أعتقد أنّ هذا الفارس هو صاحب حدشيت أي الإقطاعي، وربّما كان من الممكن دراسة العلامة أو الرّنك أو الشعار الموجود على الترس المثلّث (عِلم héraldique) لأنّها قد تعطينا اسم العائلة الاقطاعيّة التي حكمت حدشيت إبّان المرحلة الصليبيّة، وهكذا ربّما استطعنا اضفاء بُعد تاريخي أوسع وأشمل وأدق لبلدة حدشيت إبّان الوجود الفرنجي في جبل لبنان. قال الشاعر الفرنسي الكبير فيكتور هوغو “الشعارات على الدروع بمثابة لغّة، وهي اللغة الهيروغليفية للإقطاع feodalité”.

إن أهميّة الإكتشافات التي تقوم بها الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفيّة لا تتوقف على دراسة وتحديد تاريخ المغاور-المحابس ووجهة استعمالها، بل تتخطّاهما لإحتمالات العثور على إكتشافات جديدة، تساهم في زيادة المعرفة العلميّة وتضيف حلقة جديدة الى السلسلة الطويلة لتاريخ المسيحييّن في الشرق.

وشكرًا
فادي بارودي رئيس الجمعيّة اللبنانيّة للأبحاث الجوفيّة

  2013  /  Activities  /  Last Updated April 24, 2015 by  /